تعريب الطب (2)
بعد نشر الموضوع الأول فى منتدى مانس ميد لقى نقاشا هادفا بين الأعضاء وهذه تتمة الموضوع الأول ولمن يريد مشاهدة الموضوع الأول على المنتدى يضغط على الصورة
بسم الله الرحمن الرحيم
فى البداية أوجه الشكر لكل من شارك فى الموضوع السابق وأتمنى أن يشارك الجميع بآرائهم سواء كانت بالموافقة أو بالرفض لأننا نحن أهل الطب من يعنينا الموضوع أولا وأخيرا أما التنفيذ فلن يتم إلا بقرار سيادى وأوردنا فى الموضوع السابق مقال للدكتور خيرى أحمد سمرة عميد القصر العينى سابقا وفى هذا الموضوع سنورد عدة مقالات وكنت قد رتبت نفسى سابقا أن أقسم هذه المقالات على العديد من الموضوعات ولكننى سأنتقى أجود ما كتب فى الموضوع فى هذا المقال وأتمنى من الجميع أن يناقش آراء الكاتب وسأبدأ بمقال عن تغريب اللغة العربية للدكتور محمد عمارة ثم مقال آخر عن تعريب العلوم الطبية للأستاذ إسلموا ولد سيدى أحمد - وحدة الدراسات المعجمية والمصطلحية بمكتب تنسيق التعريب بالرباط ثم مقال عن التجربة السورية فى تعريب الطب
وسيجد كل من طرح تساؤلا فى الموضوع السابق ردا على تساؤله فى هذه المقالات فأرجوا قرائتها بعناية
المقال الأول
تغريب اللغة العربية
الدكتور محمد عمارة
المقال الثانى
تعريب العلوم الطبية
للأستاذ إسلموا ولد سيدى أحمد - وحدة الدراسات المعجمية والمصطلحية بمكتب تنسيق التعريب بالرباط
فى البداية أوجه الشكر لكل من شارك فى الموضوع السابق وأتمنى أن يشارك الجميع بآرائهم سواء كانت بالموافقة أو بالرفض لأننا نحن أهل الطب من يعنينا الموضوع أولا وأخيرا أما التنفيذ فلن يتم إلا بقرار سيادى وأوردنا فى الموضوع السابق مقال للدكتور خيرى أحمد سمرة عميد القصر العينى سابقا وفى هذا الموضوع سنورد عدة مقالات وكنت قد رتبت نفسى سابقا أن أقسم هذه المقالات على العديد من الموضوعات ولكننى سأنتقى أجود ما كتب فى الموضوع فى هذا المقال وأتمنى من الجميع أن يناقش آراء الكاتب وسأبدأ بمقال عن تغريب اللغة العربية للدكتور محمد عمارة ثم مقال آخر عن تعريب العلوم الطبية للأستاذ إسلموا ولد سيدى أحمد - وحدة الدراسات المعجمية والمصطلحية بمكتب تنسيق التعريب بالرباط ثم مقال عن التجربة السورية فى تعريب الطب
وسيجد كل من طرح تساؤلا فى الموضوع السابق ردا على تساؤله فى هذه المقالات فأرجوا قرائتها بعناية
المقال الأول
تغريب اللغة العربية
الدكتور محمد عمارة
لقد ظلت اللغة العربية لغة العلم العالمي لأكثر من عشرة قرون.. إليها ترجمت المواريث الثقافية والحضارية السابقة على ظهور الإسلام.. وبها تمت المراجعة والتصحيح لهذه المواريث.. وبها كتبت الإبداعات العلمية التي أضافت إلى هذه المواريث وطورتها.. ومنها أخذت أوروبا ـ إبان نهضتها الحديثة ـ التراث اليوناني.. والمنهج التجريبي، والإضافات العربية الإسلامية في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها..
وعندما استأنفت أمتنا يقظتها ونهضتها الحديثة في القرن التاسع عشر ـ عادت العربية لتكون اللغة التي وسعت علوم النهضة الأوروبية، فكان التدريس بها لجميع تلك العلوم..
لكن الكارثة التي تعيشها لغة القرآن الكريم اليوم، والتي جعلت التدريس للعلوم الطبيعية وتقنياتها وأحيانًا العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ يتم باللغات الأجنبية.. والتي جعلت العربية غريبة في بلادها.. هذه الكارثة قد بدأت مخططًا استعماريًا مع بدأ الغزوة الاستعمارية الحديثة لوطن العروبة وعالم الإسلام.. تلك الغزوة التي لم تقنع باحتلال الأرض ونهب الثروة، وإنما أرادت احتلال العقل أيضًا، ليستلب الاحتلال للأرض والنهب للثروات!..
ويكفي للبرهنة على هذه الحقيقة ـ حقيقة دور تغريب اللغة في الغزو والاستعمار ـ أن نقرأ شهادات واعترافات ومخططات القناصل الفرنسيين في القرن التاسع عشر، والتي تحدثوا فيها عن مدارس الإرساليات التبشيرية التي أقامتها فرنسا العلمانية! في المشرق العربي.. هذه الشهادات التي اعتبرت أن مدارس البعثة اليسوعية الفرنسية ـ في لبنان ـ إنما تصنع "فتحًا بواسطة اللغة.. وسيطرة على الشعب وتخلق جيشًا مارونيًا يتفانى في خدمة فرنسا!".. وبعبارة "بول موفلان" ـ أحد كبار اليسوعيين ـ : "فإن تعليم الناس لغتنا (الفرنسية) لا يعني مجرد أن تألف ألسنتهم وآذانهم الصوت الفرنسي، بل إنه يعني فتح عقولهم وقلوبهم على الأفكار وعلى العواطف الفرنسية، حتى نجعل منهم فرنسيين من زاوية ما.. إن هذه السياسة تؤدي إلى فتح بلد بواسطة اللغة"!..
وفي مذكرة كتبها القنصل "دي لتينو" ـ في 22 ديسمبر سنة 1847م ـ كانت الصراحة العارية، التي جعلت هذا القنصل الفرنسي يقول: إن الهدف من "فرنسة التعليم" هو "جعل البربرية العربية ؟!! تتنحى لا إراديًا أمام الحضارة المسيحية الفرنسية"!..
هكذا بدأ تغريب اللغة والثقافة والتعليم في بلادنا.. وهكذا خرّجت هذه المدارس أول من نادى بإحلال العامية محل الفصحى ـ أمين شميل (1828 ـ 1897م) ـ وأول من نادى بإحلال الدارونية محل نظرية وعقيدة الخلق الإلهي للكون ـ شبلي شميل (1853 ـ 1917م) ـ وأول من نادى بإحلال العلمانية محل الشريعة الإسلامية ـ فرح انطون (1874 ـ 1922م) ـ .. ومن خريجي هذه المدارس تبلور تيار التغريب والعلمنة الذي يعارض خيار الإسلام في التقدم والنهوض..
لقد أحيت إسرائيل لغة ميتة، لتصبح لغة علمية حية تدرس بها جميع العلوم وكذلك تصنع الصين واليابان مع أصعب لغات الدنيا.. لكننا للأسف عدنا القهقرى فأصبحنا في كثير من جامعاتنا ندرس العلوم الطبيعية بغير لغة القرآن الكريم! مع أن تجارب تدريسها بالعربية أعطت نتائج كبيرة كما هو معلوم ؛ فإلى متى هذا الهوان؟!
وعندما استأنفت أمتنا يقظتها ونهضتها الحديثة في القرن التاسع عشر ـ عادت العربية لتكون اللغة التي وسعت علوم النهضة الأوروبية، فكان التدريس بها لجميع تلك العلوم..
لكن الكارثة التي تعيشها لغة القرآن الكريم اليوم، والتي جعلت التدريس للعلوم الطبيعية وتقنياتها وأحيانًا العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ يتم باللغات الأجنبية.. والتي جعلت العربية غريبة في بلادها.. هذه الكارثة قد بدأت مخططًا استعماريًا مع بدأ الغزوة الاستعمارية الحديثة لوطن العروبة وعالم الإسلام.. تلك الغزوة التي لم تقنع باحتلال الأرض ونهب الثروة، وإنما أرادت احتلال العقل أيضًا، ليستلب الاحتلال للأرض والنهب للثروات!..
ويكفي للبرهنة على هذه الحقيقة ـ حقيقة دور تغريب اللغة في الغزو والاستعمار ـ أن نقرأ شهادات واعترافات ومخططات القناصل الفرنسيين في القرن التاسع عشر، والتي تحدثوا فيها عن مدارس الإرساليات التبشيرية التي أقامتها فرنسا العلمانية! في المشرق العربي.. هذه الشهادات التي اعتبرت أن مدارس البعثة اليسوعية الفرنسية ـ في لبنان ـ إنما تصنع "فتحًا بواسطة اللغة.. وسيطرة على الشعب وتخلق جيشًا مارونيًا يتفانى في خدمة فرنسا!".. وبعبارة "بول موفلان" ـ أحد كبار اليسوعيين ـ : "فإن تعليم الناس لغتنا (الفرنسية) لا يعني مجرد أن تألف ألسنتهم وآذانهم الصوت الفرنسي، بل إنه يعني فتح عقولهم وقلوبهم على الأفكار وعلى العواطف الفرنسية، حتى نجعل منهم فرنسيين من زاوية ما.. إن هذه السياسة تؤدي إلى فتح بلد بواسطة اللغة"!..
وفي مذكرة كتبها القنصل "دي لتينو" ـ في 22 ديسمبر سنة 1847م ـ كانت الصراحة العارية، التي جعلت هذا القنصل الفرنسي يقول: إن الهدف من "فرنسة التعليم" هو "جعل البربرية العربية ؟!! تتنحى لا إراديًا أمام الحضارة المسيحية الفرنسية"!..
هكذا بدأ تغريب اللغة والثقافة والتعليم في بلادنا.. وهكذا خرّجت هذه المدارس أول من نادى بإحلال العامية محل الفصحى ـ أمين شميل (1828 ـ 1897م) ـ وأول من نادى بإحلال الدارونية محل نظرية وعقيدة الخلق الإلهي للكون ـ شبلي شميل (1853 ـ 1917م) ـ وأول من نادى بإحلال العلمانية محل الشريعة الإسلامية ـ فرح انطون (1874 ـ 1922م) ـ .. ومن خريجي هذه المدارس تبلور تيار التغريب والعلمنة الذي يعارض خيار الإسلام في التقدم والنهوض..
لقد أحيت إسرائيل لغة ميتة، لتصبح لغة علمية حية تدرس بها جميع العلوم وكذلك تصنع الصين واليابان مع أصعب لغات الدنيا.. لكننا للأسف عدنا القهقرى فأصبحنا في كثير من جامعاتنا ندرس العلوم الطبيعية بغير لغة القرآن الكريم! مع أن تجارب تدريسها بالعربية أعطت نتائج كبيرة كما هو معلوم ؛ فإلى متى هذا الهوان؟!
المقال الثانى
تعريب العلوم الطبية
للأستاذ إسلموا ولد سيدى أحمد - وحدة الدراسات المعجمية والمصطلحية بمكتب تنسيق التعريب بالرباط
تنص دساتير الدول العربية على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ومعنى ذلك أن لغة التدريس – في جميع مراحل التعليم – يجب أن تكون العربية.
وبخصوص ما يُثار من تشكيك حول مدى قدرة اللغة العربية على أن تكون وسيلةً لتدريس مختلف العلوم، نشير إلى أن علم اللغة الحديث يرى أن جميع اللغات قادرة على مسايرة التقدم الحضاري، لا فرق بين لغة وأخرى، وإنما الفرق في الوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك. وعليه، فإن العيب ليس في اللغة، وإنما العيب في الناطقين باللغة عندما يعجزون أو يتقاعسون عن تنميتها وتطويرها.
ومن حسن حظنا أن لغتنا العربية لغة حيّة، تجمع بين الأصالة والمعاصَرة، فقد حملت مشعل الحضارة الإنسانية دون انقطاع، واليوم هي سادس لغة رسمية لمنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.
ويُنْسَبُ إلى أحد مؤسسي علم اللغة الحديث، وهو إدوار سابير أنه قال: " إن اللغات الخمس التي كان لها دور رئيس في حمل الحضارة الإنسانية هي: الصينية القديمة، والسنسكريتية، والعربية، واليونانية، واللاتينية".
هذه شهادة من مفكر غير عربي يسجّل حقائق التاريخ بحياد وموضوعية. ونحن نرى أن اللغة العربية قادرة على الاستمرار في تأدية هذا الدور. ولا أَدَلَّ على ذلك من أنها – من بين اللغات المشار إليها- هي اللغة الوحيدة التي ما زالت تؤدي دورها في الحضارة الإنسانية إلى يومنا هذا.
وقد تناقلت وسائل الإعلام، في الآونة الأخيرة، تصريحاً لوزير الدولة البريطاني كريس براينت اعتبر فيه أن اللغة العربية في الوقت الراهن أهم من اللغة الفرنسية. ولا شك أنَّ هناك اهتماماً دولياً متزايداً باللغة العربية، وأهلُها لا يهتمون!
وبما أننا بصدد الحديث عن تدريس الطب باللغة العربية، نريد أن نشير إلى أن العلوم الطبية تمثل شريحة واسعة من العلوم، ومن ثم فإن تعريب علوم الطب يعتبر مدخلاً لتعريب العلوم الأخرى.
وقبل تسجيل بعض الملاحظات والاقتراحات الخاصة بالموضوع، نشير إلى أننا لاحظنا أن إحلال اللغة الأجنبية محل اللغة العربية، لم يكن لأسباب موضوعية، وإنما فرضته سياسة الاستعمار ، ولعل المستعمر كان يخطط بذلك لفترة من الاستعمار الثقافي تعقب فترة الاحتلال العسكري، وهذا ما حدث بالفعل. ففي مصر، بدأ تدريس الطب باللغة العربية مع تأسيس مدرسة الطب في أبي زعبل عام 1827، وقد انتقلت هذه المدرسة إلى القصر العيني عام 1837، وظلت تدرّس بالعربية. وبعد أن احتل الإنجليز مصر عام 1882، فرضوا تدريس الطب بالإنجليزية عام 1887، بحجة عدم وجود المراجع العربية الكافية. وفي لبنان، افتتحت في بيروت عام 1866 الكلية السورية الإنجيلية، التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وظل الطب يعلم فيها بالعربية، قبل أن يُحوَّل التعليم فيها إلى الإنجليزية عام 1884، بحجة عدم وجود عدد كاف من الأساتذة المتمكنين من تعليم علوم الطب باللغة العربية. والدليل على أن هذه الحجج واهية، هو أننا -في الحالة السورية- نجد أن المحتلين الفرنسيين أرادوا أن يكون التدريس باللغة الفرنسية، لكن الأساتذة السوريين أصرّوا على أن يكون التدريس باللغة العربية، وكان لهم ما أرادوا واستمر التعريب بنجاح في سورية منذ عام 1919م ، حتى يومنا هذا.
وفي هذا الإطار، نشير إلى صدور قرار في مصر سنة 1938م، بتعريب الطب، جرى تأجيله لمدة عشر سنوات لتهيئة الوسائل المادية والبشرية اللازمة لتنفيذه. وما زال هذا التأجيل –مع الأسف- ساريَ المفعول. كما صدر في العراق قرار سنة 1979 يوجب تعريب الطب، وأُلِّفت لجان لتأليف أو ترجمة الكتب الطبية المقررة.. وتم تأجيل تنفيذ القرار، ولم نجد للتعريب أثراً إلا في حالات قليلة، مثل: الطب الشرعي والصحة النفسية، وكذلك الحال في كلية طب صنعاء باليمن التي قررت تدريس الطب الشرعي والسموم وطب المجتمع باللغة العربية، ونفس الوضع في كلية الطب في الأزهر بمصر، وفي الجامعة الأردنية. وفي تونس، قام أ.د. أحمد ذياب بتدريس علم التشريح في كلية طب سفاقس باللغة العربية لمدة ثلاث سنوات (1985-1988) لكنه واجه ضغوطاً من إدارة الجامعة اضطرته إلى ترك التعليم. وقد ألف معجماً طبّياً.
وفي ليبيا توجد بعض الكليات تُدَرَّس فيها المواد باللغة العربية، مثل: كلية طب سبها، وكلية الطب بجامعة التحدي بسرْت. وفي السودان، نجد تجربة ناجحة بدأت بتدريس مواد التشريح ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية باللغة العربية في كلّيتي الطب بجامعتي الشرق ووادي النيل، بالاتفاق مع جامعة أم درمان الإسلامية. وبعد اتخاذ قرار سياسي سنة 1990 بتعريب التعليم العالي، فإن السودان مُرَشَّح للالتحاق قريباً بسورية التي يتم فيها التعليم باللغة العربية، في جميع المستويات، منذ سنة: 1919، كما أسلفنا.
وفي إطار حديثنا عن تجارب التعريب، الناجحة والمتعثِّرة وعن القرارات والتوصيات المتعلقة بالموضوع، نشير إلى أن المؤتمر الطبي العربي الرابع والعشرين الذي عُقد بالقاهرة عام 1988م أصدر قرارا بتعريب التعليم الطبي، ولم ينفذ القرار، حتى الآن.
ودأبت مؤتمرات التعريب، التي تعقدها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجهازُها المتخصص مكتب تنسيق التعريب، على إصدار توصيات بهذا الشأن، ولم نجد صدى يذكر لهذه التوصيات، مع أن هذه المؤتمرات تُعقَد على مُستوى وزاريّ ويشارك فيها وزراء التربية والتعليم في الوطن العربي أو من ينوب عنهم. كما يشارك فيها رؤساء مجامع اللغة العربية وممثلون عن الجامعات والمؤسسات العربية المتخصصة، المعنية والمهتمة.
وقد عُقِد المؤتمر الأول بالرباط سنة 1961، وعُقِد المؤتمر الحادي عشر (الأخير) بعمّان (الأردن) سنة 2008م.
وعند حديثنا عن مُسْتَلْزَمَات تعريب الطب، سنكتشف أن هذه المستلزمات موجودة، ومن ثم فإن تعريب التعليم الجامعي، وفي طليعته الطب والصيدلة، لا يحتاج إلاّ إلى قرار سياسي بتفعيل الدساتير والقوانين العربية، بشرط أن يكون هذا القرار مشفوعاً بإرادة صادقة نابعة من قناعة الأستاذ الجامعي بتدريس مادته باللغة العربية.
يحتاج تعريب الطب إلى مُسْتَلْزَمَات، من أهمها:
المصطلح، والكتاب، والمرجع، والأستاذ، والطالب. وبغض النظر عن ترتيب هذه المستلزمات حسب أهميتها، فإننا نرى أنها تُشَكِّل مجتمعةً أرضية لا بدّ من تهيئتها للانطلاق في عملية التعريب.
1- المصطلح: يوجد رصيد مهم من المصطلحات، في معاجم طبية صادرة بثلاث لغات (الإنجليزية والفرنسية والعربية)، علماً بأن كليات الطب في الأقطار العربية التي تُدرِّس باللغة الأجنبية، تدرّس بالإنجليزية أو الفرنسية، باستثناء الصومال التي تدرس الطب باللغة الايطالية، حسب ما لدينا من معلومات.
نذكر من هذه المعاجم:
- المعجم الطبي الموحَّد، من انجاز اتحاد الأطباء العرب، تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومجلس وزراء الصحة العرب، ورعاية منظمة الصحة العالمية.
- معجم الجامعة السورية.
- المعاجم الموحَّدة، الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب-(الصحة وجسم الإنسان-الصيدلة-الطب البيطري –علم التشريح).
- مجموعة المصطلحات، الصادرة عن مجامع اللغة العربية، وبصفة خاصة تلك الصادرة عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- المصطلحات، الصادرة عن الهيئة العليا للتعريب بالسودان.
- الجهود المصطلحية الفردية، على سبيل المثال: المعجم الطبي الذي أعده أ.د. أحمد ذياب الذي أشرنا إلى تجربته في تدريس علم التشريح باللغة العربية.
2- الكتاب:
- توجد الكتب والمناهج المقررة بكليات الطب في سورية، يمكن الانطلاق منها والبناء عليها.
- ينبغي الاطلاع على الكتب الأجنبية التي أشرف على ترجمتها المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
- الكتب التي أشرف على إعدادها وترجمتها مجمع اللغة العربية الأردني.
- إنجازات المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، الذي أشرف على ترجمة بعض الكتب الدراسية الطبية، وإصدار عدد من القواميس الطبية التخصصية.
- جهود بعض الجهات العربية المهتمة بالتعريب، مثل: معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، والهيئة العليا للتعريب بالسودان، والجمعية المصرية لتعريب العلوم، وجمعية لسان العرب بمصر، والمنظمة العربية للترجمة في لبنان، وجمعيات الحفاظ على اللغة العربية في الإمارات (الشارقة) والجزائر، والمغرب..إلخ.
3- المرجع:
تَعْتَمِد المراجع أساساً على الكتب المؤلَّفة في العلوم الطبية، والدوريات (المجلات) الطبية المتخصصة. وفي هذا المجال، لا بد من الاطلاع على جهود المنظمات الدولية والعربية المهتمة بالتعريب، مثل: منظمة الصحة العالمية، مؤسسات صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية وما لديها من ترجمات متخصصة، الاستعانة بالأدمغة العربية المهاجرة والاستفادة من خبرتها في هذا المجال، عن طريق جذبها بالحوافز المعنوية والمادية.
التعرف على المراجع الطبية المترجمة إلى اللغة العربية. التعرف على الأطالس العربية التي أشرفت على إصدارها مراكز عربية متخصصة، مثل: المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، والذي يصدر مجلة " تعريب الطب" التي تضم مقالات مختارة مترجمة إلى العربية وملخّصات الأبحاث العالمية المنشورة في المجلات الطبية العربية والدولية، وغيرها كثير، لا يتسع المقام لذكره، ثم إن الأستاذ يجب تأهيلُه ليكون قادراً على الاطّلاع على المراجع الدولية الأجنبية ونقل مضامينها باللغة العربية إلى طلابه، في صيغة محاضرات، أو مذكّرات أو كُتُب.
4- الأستاذ:
من خلال لقاءاتنا بأساتذة الطب، في المؤتمرات والندوات المتخصصة، وجدنا لدى معظمهم الاستعداد الكامل للتدريس باللغة العربية، ويمكن تأهيل هؤلاء الأساتذة عن طريق إقامة دورات تدريبية يشاركون فيها مع زملائهم الذين يُدَرِّسون باللغة العربية في بعض كليات الطب في سورية وغيرها من الكليات التي أشرنا إلى أنّ لها تجربةً في هذا المجال.
5- الطالب:
يعتبر الطالب أهمَّ عنصر مُستهدَف في هذه العملية، لأنه هو طبيب المستقبل، وهو الأستاذ الذي يُعَدُّ لأن يكون خير خَلَف لخير سلف، ومن ثم فلا بد –قبل وصوله إلى الجامعة- من إعداده إعداداً جيداً، يجعله متمكّنا من اللغة العربية ومن لغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية) تساعده على الاستفادة من المراجع الأجنبية. ونشدّد هنا على أهمية تعلّم اللغات الأجنبية، وفصل تعلّمها عن تدريس المواد بها. فشتّان ما بين الأمْرَيْْن.
- علينا أن عتمد مخطط تدريجي مدروس بعناية يجعلنا نصل إلى الهدف المنشود، وهو التعريب الشامل، دون إقصاء لأحد، ودون أن نمس بمصلحة أي مواطن، لأن الوطن يسع الجميع، على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم.
وفي مجال توجيه الرأي العام، فإن للإعلام دوراً لا يستهان به، لأن الإعلام بأنواعه المختلفة فعلى أجهزة الإعلام أن تقوم بدور طليعي في هذا العمل المبرور.
ونختم هذا الموضوع بفقرة وردت في بحث للأستاذ/ أحمد شفيق الخطيب (دائرة المعاجم –مكتبة لبنان-بيروت)، نُشر في مجلة اللسان العربي، العدد 44 سنة 1997، وذلك عِبْرَةً لنا جميعاً.
يقول صاحب البحث: أوائل العشرينيات من هذا القرن (القرن العشرين) افتتحت الجمعية اليهودية الألمانية "معهد التخنكو" –التكنولوجية- في حَيْفَا، الذي أنشأته بأموالها وجهد خبرائها، وارتأت الجمعية جعل الألمانية لغة التدريس فيه، على اعتبار أن العبرية ليست متطورة بالقدر الذي يسمح باستعمالها في حقل العلوم والتكنولوجية، فقامت الدنيا بموجات الاحتجاج وإضراب المعلمين والتلاميذ، تلاها استقالة الكثيرين من العاملين في المدارس الألمانية، معتبرين ذلك إهانة قومية، فهدّدوا، بل وأنشأوا فعلاً، مدارس عبرية بدلا منها، فتراجعت الجمعية وتمّ للمعتزين بلغتهم الواهنة ما أرادوا"
فعلينا جميعاً أن نَعْتَبِر ونعتزّ بلغتنا، لغة القرآن الكريم، وحاشا أن تكون لغة الوحي لغة واهنة.
وبخصوص ما يُثار من تشكيك حول مدى قدرة اللغة العربية على أن تكون وسيلةً لتدريس مختلف العلوم، نشير إلى أن علم اللغة الحديث يرى أن جميع اللغات قادرة على مسايرة التقدم الحضاري، لا فرق بين لغة وأخرى، وإنما الفرق في الوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك. وعليه، فإن العيب ليس في اللغة، وإنما العيب في الناطقين باللغة عندما يعجزون أو يتقاعسون عن تنميتها وتطويرها.
ومن حسن حظنا أن لغتنا العربية لغة حيّة، تجمع بين الأصالة والمعاصَرة، فقد حملت مشعل الحضارة الإنسانية دون انقطاع، واليوم هي سادس لغة رسمية لمنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.
ويُنْسَبُ إلى أحد مؤسسي علم اللغة الحديث، وهو إدوار سابير أنه قال: " إن اللغات الخمس التي كان لها دور رئيس في حمل الحضارة الإنسانية هي: الصينية القديمة، والسنسكريتية، والعربية، واليونانية، واللاتينية".
هذه شهادة من مفكر غير عربي يسجّل حقائق التاريخ بحياد وموضوعية. ونحن نرى أن اللغة العربية قادرة على الاستمرار في تأدية هذا الدور. ولا أَدَلَّ على ذلك من أنها – من بين اللغات المشار إليها- هي اللغة الوحيدة التي ما زالت تؤدي دورها في الحضارة الإنسانية إلى يومنا هذا.
وقد تناقلت وسائل الإعلام، في الآونة الأخيرة، تصريحاً لوزير الدولة البريطاني كريس براينت اعتبر فيه أن اللغة العربية في الوقت الراهن أهم من اللغة الفرنسية. ولا شك أنَّ هناك اهتماماً دولياً متزايداً باللغة العربية، وأهلُها لا يهتمون!
وبما أننا بصدد الحديث عن تدريس الطب باللغة العربية، نريد أن نشير إلى أن العلوم الطبية تمثل شريحة واسعة من العلوم، ومن ثم فإن تعريب علوم الطب يعتبر مدخلاً لتعريب العلوم الأخرى.
وقبل تسجيل بعض الملاحظات والاقتراحات الخاصة بالموضوع، نشير إلى أننا لاحظنا أن إحلال اللغة الأجنبية محل اللغة العربية، لم يكن لأسباب موضوعية، وإنما فرضته سياسة الاستعمار ، ولعل المستعمر كان يخطط بذلك لفترة من الاستعمار الثقافي تعقب فترة الاحتلال العسكري، وهذا ما حدث بالفعل. ففي مصر، بدأ تدريس الطب باللغة العربية مع تأسيس مدرسة الطب في أبي زعبل عام 1827، وقد انتقلت هذه المدرسة إلى القصر العيني عام 1837، وظلت تدرّس بالعربية. وبعد أن احتل الإنجليز مصر عام 1882، فرضوا تدريس الطب بالإنجليزية عام 1887، بحجة عدم وجود المراجع العربية الكافية. وفي لبنان، افتتحت في بيروت عام 1866 الكلية السورية الإنجيلية، التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وظل الطب يعلم فيها بالعربية، قبل أن يُحوَّل التعليم فيها إلى الإنجليزية عام 1884، بحجة عدم وجود عدد كاف من الأساتذة المتمكنين من تعليم علوم الطب باللغة العربية. والدليل على أن هذه الحجج واهية، هو أننا -في الحالة السورية- نجد أن المحتلين الفرنسيين أرادوا أن يكون التدريس باللغة الفرنسية، لكن الأساتذة السوريين أصرّوا على أن يكون التدريس باللغة العربية، وكان لهم ما أرادوا واستمر التعريب بنجاح في سورية منذ عام 1919م ، حتى يومنا هذا.
وفي هذا الإطار، نشير إلى صدور قرار في مصر سنة 1938م، بتعريب الطب، جرى تأجيله لمدة عشر سنوات لتهيئة الوسائل المادية والبشرية اللازمة لتنفيذه. وما زال هذا التأجيل –مع الأسف- ساريَ المفعول. كما صدر في العراق قرار سنة 1979 يوجب تعريب الطب، وأُلِّفت لجان لتأليف أو ترجمة الكتب الطبية المقررة.. وتم تأجيل تنفيذ القرار، ولم نجد للتعريب أثراً إلا في حالات قليلة، مثل: الطب الشرعي والصحة النفسية، وكذلك الحال في كلية طب صنعاء باليمن التي قررت تدريس الطب الشرعي والسموم وطب المجتمع باللغة العربية، ونفس الوضع في كلية الطب في الأزهر بمصر، وفي الجامعة الأردنية. وفي تونس، قام أ.د. أحمد ذياب بتدريس علم التشريح في كلية طب سفاقس باللغة العربية لمدة ثلاث سنوات (1985-1988) لكنه واجه ضغوطاً من إدارة الجامعة اضطرته إلى ترك التعليم. وقد ألف معجماً طبّياً.
وفي ليبيا توجد بعض الكليات تُدَرَّس فيها المواد باللغة العربية، مثل: كلية طب سبها، وكلية الطب بجامعة التحدي بسرْت. وفي السودان، نجد تجربة ناجحة بدأت بتدريس مواد التشريح ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية باللغة العربية في كلّيتي الطب بجامعتي الشرق ووادي النيل، بالاتفاق مع جامعة أم درمان الإسلامية. وبعد اتخاذ قرار سياسي سنة 1990 بتعريب التعليم العالي، فإن السودان مُرَشَّح للالتحاق قريباً بسورية التي يتم فيها التعليم باللغة العربية، في جميع المستويات، منذ سنة: 1919، كما أسلفنا.
وفي إطار حديثنا عن تجارب التعريب، الناجحة والمتعثِّرة وعن القرارات والتوصيات المتعلقة بالموضوع، نشير إلى أن المؤتمر الطبي العربي الرابع والعشرين الذي عُقد بالقاهرة عام 1988م أصدر قرارا بتعريب التعليم الطبي، ولم ينفذ القرار، حتى الآن.
ودأبت مؤتمرات التعريب، التي تعقدها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجهازُها المتخصص مكتب تنسيق التعريب، على إصدار توصيات بهذا الشأن، ولم نجد صدى يذكر لهذه التوصيات، مع أن هذه المؤتمرات تُعقَد على مُستوى وزاريّ ويشارك فيها وزراء التربية والتعليم في الوطن العربي أو من ينوب عنهم. كما يشارك فيها رؤساء مجامع اللغة العربية وممثلون عن الجامعات والمؤسسات العربية المتخصصة، المعنية والمهتمة.
وقد عُقِد المؤتمر الأول بالرباط سنة 1961، وعُقِد المؤتمر الحادي عشر (الأخير) بعمّان (الأردن) سنة 2008م.
وعند حديثنا عن مُسْتَلْزَمَات تعريب الطب، سنكتشف أن هذه المستلزمات موجودة، ومن ثم فإن تعريب التعليم الجامعي، وفي طليعته الطب والصيدلة، لا يحتاج إلاّ إلى قرار سياسي بتفعيل الدساتير والقوانين العربية، بشرط أن يكون هذا القرار مشفوعاً بإرادة صادقة نابعة من قناعة الأستاذ الجامعي بتدريس مادته باللغة العربية.
يحتاج تعريب الطب إلى مُسْتَلْزَمَات، من أهمها:
المصطلح، والكتاب، والمرجع، والأستاذ، والطالب. وبغض النظر عن ترتيب هذه المستلزمات حسب أهميتها، فإننا نرى أنها تُشَكِّل مجتمعةً أرضية لا بدّ من تهيئتها للانطلاق في عملية التعريب.
1- المصطلح: يوجد رصيد مهم من المصطلحات، في معاجم طبية صادرة بثلاث لغات (الإنجليزية والفرنسية والعربية)، علماً بأن كليات الطب في الأقطار العربية التي تُدرِّس باللغة الأجنبية، تدرّس بالإنجليزية أو الفرنسية، باستثناء الصومال التي تدرس الطب باللغة الايطالية، حسب ما لدينا من معلومات.
نذكر من هذه المعاجم:
- المعجم الطبي الموحَّد، من انجاز اتحاد الأطباء العرب، تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومجلس وزراء الصحة العرب، ورعاية منظمة الصحة العالمية.
- معجم الجامعة السورية.
- المعاجم الموحَّدة، الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب-(الصحة وجسم الإنسان-الصيدلة-الطب البيطري –علم التشريح).
- مجموعة المصطلحات، الصادرة عن مجامع اللغة العربية، وبصفة خاصة تلك الصادرة عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- المصطلحات، الصادرة عن الهيئة العليا للتعريب بالسودان.
- الجهود المصطلحية الفردية، على سبيل المثال: المعجم الطبي الذي أعده أ.د. أحمد ذياب الذي أشرنا إلى تجربته في تدريس علم التشريح باللغة العربية.
2- الكتاب:
- توجد الكتب والمناهج المقررة بكليات الطب في سورية، يمكن الانطلاق منها والبناء عليها.
- ينبغي الاطلاع على الكتب الأجنبية التي أشرف على ترجمتها المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
- الكتب التي أشرف على إعدادها وترجمتها مجمع اللغة العربية الأردني.
- إنجازات المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، الذي أشرف على ترجمة بعض الكتب الدراسية الطبية، وإصدار عدد من القواميس الطبية التخصصية.
- جهود بعض الجهات العربية المهتمة بالتعريب، مثل: معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، والهيئة العليا للتعريب بالسودان، والجمعية المصرية لتعريب العلوم، وجمعية لسان العرب بمصر، والمنظمة العربية للترجمة في لبنان، وجمعيات الحفاظ على اللغة العربية في الإمارات (الشارقة) والجزائر، والمغرب..إلخ.
3- المرجع:
تَعْتَمِد المراجع أساساً على الكتب المؤلَّفة في العلوم الطبية، والدوريات (المجلات) الطبية المتخصصة. وفي هذا المجال، لا بد من الاطلاع على جهود المنظمات الدولية والعربية المهتمة بالتعريب، مثل: منظمة الصحة العالمية، مؤسسات صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية وما لديها من ترجمات متخصصة، الاستعانة بالأدمغة العربية المهاجرة والاستفادة من خبرتها في هذا المجال، عن طريق جذبها بالحوافز المعنوية والمادية.
التعرف على المراجع الطبية المترجمة إلى اللغة العربية. التعرف على الأطالس العربية التي أشرفت على إصدارها مراكز عربية متخصصة، مثل: المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، والذي يصدر مجلة " تعريب الطب" التي تضم مقالات مختارة مترجمة إلى العربية وملخّصات الأبحاث العالمية المنشورة في المجلات الطبية العربية والدولية، وغيرها كثير، لا يتسع المقام لذكره، ثم إن الأستاذ يجب تأهيلُه ليكون قادراً على الاطّلاع على المراجع الدولية الأجنبية ونقل مضامينها باللغة العربية إلى طلابه، في صيغة محاضرات، أو مذكّرات أو كُتُب.
4- الأستاذ:
من خلال لقاءاتنا بأساتذة الطب، في المؤتمرات والندوات المتخصصة، وجدنا لدى معظمهم الاستعداد الكامل للتدريس باللغة العربية، ويمكن تأهيل هؤلاء الأساتذة عن طريق إقامة دورات تدريبية يشاركون فيها مع زملائهم الذين يُدَرِّسون باللغة العربية في بعض كليات الطب في سورية وغيرها من الكليات التي أشرنا إلى أنّ لها تجربةً في هذا المجال.
5- الطالب:
يعتبر الطالب أهمَّ عنصر مُستهدَف في هذه العملية، لأنه هو طبيب المستقبل، وهو الأستاذ الذي يُعَدُّ لأن يكون خير خَلَف لخير سلف، ومن ثم فلا بد –قبل وصوله إلى الجامعة- من إعداده إعداداً جيداً، يجعله متمكّنا من اللغة العربية ومن لغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية) تساعده على الاستفادة من المراجع الأجنبية. ونشدّد هنا على أهمية تعلّم اللغات الأجنبية، وفصل تعلّمها عن تدريس المواد بها. فشتّان ما بين الأمْرَيْْن.
- علينا أن عتمد مخطط تدريجي مدروس بعناية يجعلنا نصل إلى الهدف المنشود، وهو التعريب الشامل، دون إقصاء لأحد، ودون أن نمس بمصلحة أي مواطن، لأن الوطن يسع الجميع، على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم.
وفي مجال توجيه الرأي العام، فإن للإعلام دوراً لا يستهان به، لأن الإعلام بأنواعه المختلفة فعلى أجهزة الإعلام أن تقوم بدور طليعي في هذا العمل المبرور.
ونختم هذا الموضوع بفقرة وردت في بحث للأستاذ/ أحمد شفيق الخطيب (دائرة المعاجم –مكتبة لبنان-بيروت)، نُشر في مجلة اللسان العربي، العدد 44 سنة 1997، وذلك عِبْرَةً لنا جميعاً.
يقول صاحب البحث: أوائل العشرينيات من هذا القرن (القرن العشرين) افتتحت الجمعية اليهودية الألمانية "معهد التخنكو" –التكنولوجية- في حَيْفَا، الذي أنشأته بأموالها وجهد خبرائها، وارتأت الجمعية جعل الألمانية لغة التدريس فيه، على اعتبار أن العبرية ليست متطورة بالقدر الذي يسمح باستعمالها في حقل العلوم والتكنولوجية، فقامت الدنيا بموجات الاحتجاج وإضراب المعلمين والتلاميذ، تلاها استقالة الكثيرين من العاملين في المدارس الألمانية، معتبرين ذلك إهانة قومية، فهدّدوا، بل وأنشأوا فعلاً، مدارس عبرية بدلا منها، فتراجعت الجمعية وتمّ للمعتزين بلغتهم الواهنة ما أرادوا"
فعلينا جميعاً أن نَعْتَبِر ونعتزّ بلغتنا، لغة القرآن الكريم، وحاشا أن تكون لغة الوحي لغة واهنة.
دراسة الدكتور هانى مرتضى
رئيس جامعة دمشق
رئيس جامعة دمشق
ففي دراسة له عن "التجربة السورية في تدريس الطب بالعربية"، اعتبر الدكتور "هاني مرتضى" رئيس جامعة دمشق أن الوطن العربي يواجه اليوم مشكلة إقصاء اللغة العربية عن مجال تدريس العلوم الطبية في معظم أقطاره.
واعتبر أن حل المشكلة ليس "على قدر من الصعوبة لو توفر العزم الصحيح على حلها، ولن يكون العرب بدعًا بين الأمم، إن أرادوا اتخاذ اللغة العربية لغة تعليم جامعي".
وقال: "إن الأمم المتقدمة وغير المتقدمة سلكت هذا السبيل بعد أن أيقنت أن الطالب، الذي يتلقى علومه بلغة غير لغته الأم يصاغ فكرًا وثقافة من خلال هذه اللغة الغريبة. وأضاف "نحن العرب حينما ننادي بالتعريب فإن أملنا هو السعي إلى الاتصال بالعلوم المعاصرة، وتمثلها ضمن إطار من لغتنا العربية، وفي هذا أخذ عن الغرب دون الانصهار فيه، حفاظًا على هويتنا من الضياع".
وأوضح أن تعريب الطب لا يعني "نسخ اللغة الأجنبية من عملية التعليم، بل الحرص كل الحرص على معرفتها لغة أجنبية فحسب، لا لغة الثقافة والتفكير؛ لأننا نعني بالثقافة مجموعة العوامل الحضارية، التي تضم المعارف والمعتقدات والأخلاق والعادات المكتسبة، ويوم تكون لغة العلم غير لغة الثقافة تُصاب الأمة بفصام فكري، كهذا الذي يُلاحظ في بعض المجتمعات، وفي فئة من أبناء بعض خريجي الجامعات".
وقال الدكتور مرتضى في دراسته، التي حصلت "قدس برس" على نسخة منها: إنه "لا يوصي بتعريب الطب اعتزازاً منا بلغتنا، وتأكيدًا لهويتنا الثقافية فحسب، بل يتعداهما إلى تدارك خطر مؤكد، يتهدد التعليم الجامعي نفسه بالسطحية، وحرمان الطالب من الفهم الصحيح، وقصوره عن تمثل ما يتعلمه بلغة أجنبية، ودفعه أحيانًا إلى الاستظهار دون إدراك المعنى الدقيق".
وأضاف أنه "لا ينكر أحد ظاهرة الضعف في تعلم اللغات الأجنبية في المدارس الإعدادية والثانوية؛ إذ باتت هذه الظاهرة أمرًا ملموسًا، حتى إن العديد من الطلاب يصلون إلى المرحلة الجامعية ولا يعرفون من اللغة الأجنبية التي تعلموها إلا النزر اليسير، ويراد منهم بهذا المقدار الضئيل استيعاب علوم يستصعب أبناء اللغة الأجنبية نفسها دراستها بلغتهم. وهذا الأمر هو الذي يدفع الطلاب العرب إلى البحث عن التراجم ومعاني الكلمات في المعاجم، مضيعين بذلك وقتًا كان من الأجدر صرفه في المادة الدراسية.
وقد أوصت منظمة "اليونسكو" باستخدام اللغة الوطنية في التعليم إلى أقصى مرحلة ممكنة، إذا كانت اللغة تسمح بذلك، ولغتنا العربية تسمح بذلك والحمد لله، كما يضيف الدكتور مرتضى، ولا بد أيضًا من التفكير بأن التعليم بلغة أجنبية يتطلب وجود أساتذة يتقنون اللغة، التي يتم التعليم بها فهمًا وإلقاءً، كما يتطلب وجود الطالب الذي يتقنها فهمًا واستيعابًا وتحدثًا وكتابة، ومن المؤسف أننا سمعنا محاضرات طبية أُلقيت في قاعات جامعات عربية مرموقة بلغة هجينة، اختلطت فيها العامية المحلية بالمصطلحات الأجنبية اختلاطًا عجيبًا.
تدرس العلوم الطبية في جُل كليات الطب في الوطن العربي بغير العربية؛ فالمشرق العربي يدرس بالإنجليزية، باستثناء سوريا التي تدرس بالعربية، والكلية اليسوعية في بيروت تدرس بالفرنسية، ويعتمد المغرب العربي اللغة الفرنسية في التعليم، كما تعتمد الصومال الإيطالية، والسودان بدأ يدرِّس الطب منذ أكثر من سنتين بالعربية، وهناك كليتان تدرسان الطب بالعربية في الجماهيرية الليبية، وقد اتخذت كلية طب جامعة الأزهر قرارًا بتدريس الطب الشرعي والصحة النفسية بالعربية.
وقد نشأت ظاهرة تدريس الطب بغير العربية في ظل ظروف قاسية، لم تكن البلاد العربية تملك فيها إرادتها المستقلة، وشكَّلت هذه الظاهرة جزءاً من سياسة ترمي إلى تجريد الأمة العربية من أصالتها، وإلحاقها ثقافيًّا بمن كان يتحكم في أمرها؛ للحدِّ من استردادها لشخصيتها، فراحت كلية طب القاهرة تدرِّس بالإنجليزية بعد أن درست بالعربية نحو ستين عامًا من سنة 1827م حتى سنة 1887م، وحدث ذلك تحت الضغط السياسي وحده.
لقد وضع رواد تعريب الطب في تلك الحقبة أعمالاً ضخمة، من بينها أربعة معجمات طبية ثنائية اللغة، وأصدروا مجلات طبية بالعربية، منها: اليعسوب، والمنتخب، والثناء، كل هذا بالإضافة إلى الكتب الطبية.
ويرى الدكتور مرتضى أنه ما توقف التدريس بالعربية في القاهرة لِعِلَّة في لغتنا، بل انصياعًا للضغط الاستعماري يومئذ، ولا بد من الإشارة إلى أنه في تلك الحقبة تأسست الكلية الإنجيلية السورية في بيروت (وهي التي تعرف اليوم باسم الجامعة الأمريكية) عام 1866م، واعتُمدت العربية لغة التدريس في كليتي الطب والصيدلة فيها، ولكنها أُقصيت عنهما سنة 1884م، وحلَّت الإنجليزية محلها لأسباب نحن في غنى عن شرحها الآن، لكن العربية منها براء.
ويقول الدكتور مرتضى: "إن صلاح اللغة العربية لاستيعاب العلوم أمر مسلَّم به بالنسبة إلينا، ونرى أن الكلام عن قدرتها على الاشتقاق والوضع والقياس والنحت، وعن خصائصها المرنة تكرار نحن في غنى عنه، ونرى أن العائق الحقيقي الذي يقف في سبيلها هو ما يفتعله من لا يؤمنون بالتعريب لسبب أو لآخر، كما أننا نحرص الحرص كله على تعليم لغة أجنبية، منطلقين من أن التعريب الصحيح لا يعني الانعزال والبُعْد عن الاطلاع على ما تقدمه اللغات الأخرى من ينابيع علمية".
ويرى الدكتور مرتضى أن أنظمة جامعاتنا قد راعها هذا الأمر؛ فجعلت الطالب يتابع دراسة اللغة الأجنبية مدة خمس سنوات جامعية، ويخضع لفحوص لها تماثل خضوعه للمواد الطبية؛ هذا في الدراسة الجامعية الأولى، أما في مجال الاختصاص فعليه أن يتقدم لإجراء فحص بمقررين طبيين من اختصاصه باللغة الأجنبية، علمًا بأن هذين المقررين يُدرسان بلغة أجنبية.
ويضيف قائلاً: إنه استنادًا إلى اتصالاته الشخصية بخريجي كليتنا العاملين في الولايات المتحدة والبلاد الأوربية توصلت إلى اقتناع كامل بأنهم يتابعون الدراسة في البلاد التي يذهبون إليها للتخصص فيها بقدرة لا تقل إطلاقًا عن قدرة الطلاب العرب الآخرين الذين درسوا الطب بلغة أجنبية في بلادهم، هذا إن لم يتفوقوا عليهم رغم الصعوبات الأولية التي يواجهونها في الأشهر الأولى من تدريبهم!.
وبالرغم من عدم إلمام الكثير من الجامعات العربية بالتجربة السورية، فإنه قد مضى خمسة وسبعون عامًا أو نحوها وأساتذتها يدرِّسون أحدث نظريات الطب، ويعملون بأدقِّ الأجهزة، ويتحاورون حول الأمراض بلغة عربية سهلة واضحة لا يتعثر في فهمها المستمع طالبًا كان أم طبيبًا. ويضيف الدكتور مرتضى معقبًا على ذلك بالقول: "خمسة وسبعون عامًا مضت، وطلابنا منتشرون في جميع أصقاع الأرض، نفخر بعلمهم، كما نفخر بإنجازاتهم العلمية حيثما كانوا".
ويقول عن تجربته الشخصية: "لقد درستُ الطب باللغة العربية، وتابعتُ اختصاصي في كندا، وحصلت على شهادة البورد الأمريكي في الأطفال، وعلى شهادة lmcc لممارسة الطب في كندا، وعلى شهادة زمالة الكلية الملكية الكندية frcp، ولم أَلْقَ أي صعوبة في التدريب أو اجتياز أي امتحان".
وقال: "إن هذا مثال واقعي ينطبق على عدد كبير من خريجي جامعة دمشق، الذين يتبوءون مراكز علمية، أو يمارسون الطب بنجاح في أوروبا وأمريكا". وقال: "إنه تمنى أن يصل هذا الاقتناع إلى كل فرد في الأمة العربية، ويصبح تعليم الطب باللغة العربية في جميع الدول العربية مألوفًا، أسوة بشعوب العالم الأخرى، التي تدرس العلوم بلغتها الأم
واعتبر أن حل المشكلة ليس "على قدر من الصعوبة لو توفر العزم الصحيح على حلها، ولن يكون العرب بدعًا بين الأمم، إن أرادوا اتخاذ اللغة العربية لغة تعليم جامعي".
وقال: "إن الأمم المتقدمة وغير المتقدمة سلكت هذا السبيل بعد أن أيقنت أن الطالب، الذي يتلقى علومه بلغة غير لغته الأم يصاغ فكرًا وثقافة من خلال هذه اللغة الغريبة. وأضاف "نحن العرب حينما ننادي بالتعريب فإن أملنا هو السعي إلى الاتصال بالعلوم المعاصرة، وتمثلها ضمن إطار من لغتنا العربية، وفي هذا أخذ عن الغرب دون الانصهار فيه، حفاظًا على هويتنا من الضياع".
وأوضح أن تعريب الطب لا يعني "نسخ اللغة الأجنبية من عملية التعليم، بل الحرص كل الحرص على معرفتها لغة أجنبية فحسب، لا لغة الثقافة والتفكير؛ لأننا نعني بالثقافة مجموعة العوامل الحضارية، التي تضم المعارف والمعتقدات والأخلاق والعادات المكتسبة، ويوم تكون لغة العلم غير لغة الثقافة تُصاب الأمة بفصام فكري، كهذا الذي يُلاحظ في بعض المجتمعات، وفي فئة من أبناء بعض خريجي الجامعات".
وقال الدكتور مرتضى في دراسته، التي حصلت "قدس برس" على نسخة منها: إنه "لا يوصي بتعريب الطب اعتزازاً منا بلغتنا، وتأكيدًا لهويتنا الثقافية فحسب، بل يتعداهما إلى تدارك خطر مؤكد، يتهدد التعليم الجامعي نفسه بالسطحية، وحرمان الطالب من الفهم الصحيح، وقصوره عن تمثل ما يتعلمه بلغة أجنبية، ودفعه أحيانًا إلى الاستظهار دون إدراك المعنى الدقيق".
وأضاف أنه "لا ينكر أحد ظاهرة الضعف في تعلم اللغات الأجنبية في المدارس الإعدادية والثانوية؛ إذ باتت هذه الظاهرة أمرًا ملموسًا، حتى إن العديد من الطلاب يصلون إلى المرحلة الجامعية ولا يعرفون من اللغة الأجنبية التي تعلموها إلا النزر اليسير، ويراد منهم بهذا المقدار الضئيل استيعاب علوم يستصعب أبناء اللغة الأجنبية نفسها دراستها بلغتهم. وهذا الأمر هو الذي يدفع الطلاب العرب إلى البحث عن التراجم ومعاني الكلمات في المعاجم، مضيعين بذلك وقتًا كان من الأجدر صرفه في المادة الدراسية.
توصيات اليونسكو
وقد أوصت منظمة "اليونسكو" باستخدام اللغة الوطنية في التعليم إلى أقصى مرحلة ممكنة، إذا كانت اللغة تسمح بذلك، ولغتنا العربية تسمح بذلك والحمد لله، كما يضيف الدكتور مرتضى، ولا بد أيضًا من التفكير بأن التعليم بلغة أجنبية يتطلب وجود أساتذة يتقنون اللغة، التي يتم التعليم بها فهمًا وإلقاءً، كما يتطلب وجود الطالب الذي يتقنها فهمًا واستيعابًا وتحدثًا وكتابة، ومن المؤسف أننا سمعنا محاضرات طبية أُلقيت في قاعات جامعات عربية مرموقة بلغة هجينة، اختلطت فيها العامية المحلية بالمصطلحات الأجنبية اختلاطًا عجيبًا.
بين الإنجليزية والفرنسية والإيطالية
تدرس العلوم الطبية في جُل كليات الطب في الوطن العربي بغير العربية؛ فالمشرق العربي يدرس بالإنجليزية، باستثناء سوريا التي تدرس بالعربية، والكلية اليسوعية في بيروت تدرس بالفرنسية، ويعتمد المغرب العربي اللغة الفرنسية في التعليم، كما تعتمد الصومال الإيطالية، والسودان بدأ يدرِّس الطب منذ أكثر من سنتين بالعربية، وهناك كليتان تدرسان الطب بالعربية في الجماهيرية الليبية، وقد اتخذت كلية طب جامعة الأزهر قرارًا بتدريس الطب الشرعي والصحة النفسية بالعربية.
وقد نشأت ظاهرة تدريس الطب بغير العربية في ظل ظروف قاسية، لم تكن البلاد العربية تملك فيها إرادتها المستقلة، وشكَّلت هذه الظاهرة جزءاً من سياسة ترمي إلى تجريد الأمة العربية من أصالتها، وإلحاقها ثقافيًّا بمن كان يتحكم في أمرها؛ للحدِّ من استردادها لشخصيتها، فراحت كلية طب القاهرة تدرِّس بالإنجليزية بعد أن درست بالعربية نحو ستين عامًا من سنة 1827م حتى سنة 1887م، وحدث ذلك تحت الضغط السياسي وحده.
لقد وضع رواد تعريب الطب في تلك الحقبة أعمالاً ضخمة، من بينها أربعة معجمات طبية ثنائية اللغة، وأصدروا مجلات طبية بالعربية، منها: اليعسوب، والمنتخب، والثناء، كل هذا بالإضافة إلى الكتب الطبية.
ويرى الدكتور مرتضى أنه ما توقف التدريس بالعربية في القاهرة لِعِلَّة في لغتنا، بل انصياعًا للضغط الاستعماري يومئذ، ولا بد من الإشارة إلى أنه في تلك الحقبة تأسست الكلية الإنجيلية السورية في بيروت (وهي التي تعرف اليوم باسم الجامعة الأمريكية) عام 1866م، واعتُمدت العربية لغة التدريس في كليتي الطب والصيدلة فيها، ولكنها أُقصيت عنهما سنة 1884م، وحلَّت الإنجليزية محلها لأسباب نحن في غنى عن شرحها الآن، لكن العربية منها براء.
ويقول الدكتور مرتضى: "إن صلاح اللغة العربية لاستيعاب العلوم أمر مسلَّم به بالنسبة إلينا، ونرى أن الكلام عن قدرتها على الاشتقاق والوضع والقياس والنحت، وعن خصائصها المرنة تكرار نحن في غنى عنه، ونرى أن العائق الحقيقي الذي يقف في سبيلها هو ما يفتعله من لا يؤمنون بالتعريب لسبب أو لآخر، كما أننا نحرص الحرص كله على تعليم لغة أجنبية، منطلقين من أن التعريب الصحيح لا يعني الانعزال والبُعْد عن الاطلاع على ما تقدمه اللغات الأخرى من ينابيع علمية".
ويرى الدكتور مرتضى أن أنظمة جامعاتنا قد راعها هذا الأمر؛ فجعلت الطالب يتابع دراسة اللغة الأجنبية مدة خمس سنوات جامعية، ويخضع لفحوص لها تماثل خضوعه للمواد الطبية؛ هذا في الدراسة الجامعية الأولى، أما في مجال الاختصاص فعليه أن يتقدم لإجراء فحص بمقررين طبيين من اختصاصه باللغة الأجنبية، علمًا بأن هذين المقررين يُدرسان بلغة أجنبية.
ويضيف قائلاً: إنه استنادًا إلى اتصالاته الشخصية بخريجي كليتنا العاملين في الولايات المتحدة والبلاد الأوربية توصلت إلى اقتناع كامل بأنهم يتابعون الدراسة في البلاد التي يذهبون إليها للتخصص فيها بقدرة لا تقل إطلاقًا عن قدرة الطلاب العرب الآخرين الذين درسوا الطب بلغة أجنبية في بلادهم، هذا إن لم يتفوقوا عليهم رغم الصعوبات الأولية التي يواجهونها في الأشهر الأولى من تدريبهم!.
نجاح التجربة السورية
وبالرغم من عدم إلمام الكثير من الجامعات العربية بالتجربة السورية، فإنه قد مضى خمسة وسبعون عامًا أو نحوها وأساتذتها يدرِّسون أحدث نظريات الطب، ويعملون بأدقِّ الأجهزة، ويتحاورون حول الأمراض بلغة عربية سهلة واضحة لا يتعثر في فهمها المستمع طالبًا كان أم طبيبًا. ويضيف الدكتور مرتضى معقبًا على ذلك بالقول: "خمسة وسبعون عامًا مضت، وطلابنا منتشرون في جميع أصقاع الأرض، نفخر بعلمهم، كما نفخر بإنجازاتهم العلمية حيثما كانوا".
ويقول عن تجربته الشخصية: "لقد درستُ الطب باللغة العربية، وتابعتُ اختصاصي في كندا، وحصلت على شهادة البورد الأمريكي في الأطفال، وعلى شهادة lmcc لممارسة الطب في كندا، وعلى شهادة زمالة الكلية الملكية الكندية frcp، ولم أَلْقَ أي صعوبة في التدريب أو اجتياز أي امتحان".
وقال: "إن هذا مثال واقعي ينطبق على عدد كبير من خريجي جامعة دمشق، الذين يتبوءون مراكز علمية، أو يمارسون الطب بنجاح في أوروبا وأمريكا". وقال: "إنه تمنى أن يصل هذا الاقتناع إلى كل فرد في الأمة العربية، ويصبح تعليم الطب باللغة العربية في جميع الدول العربية مألوفًا، أسوة بشعوب العالم الأخرى، التي تدرس العلوم بلغتها الأم
مقال أخير قديم يحوى آراء العالم الكبير
د.أحمد مستجير
خبير العلوم التكنولوجية المتقدمة الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
د.أحمد مستجير
خبير العلوم التكنولوجية المتقدمة الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
تتجدد الدعوة في أكثر من مؤتمر ومركز ومؤسسة على امتداد الوطن العربي، للاهتمام بقضية تعريب المناهج الطبية، بهدف استثمارها تطبيقيا بالكليات، في الوقت نفسه نجد حركة الواقع تسير في الاتجاه المعاكس، إذ صارت اللغة العربية كأداة لتعليم العلوم في تراجع بالغ بمصر وغيرها من الدول العربية.
ودائما يثار السؤال: هل الأمة العربية غير قادرة على مضاهاة كوريا واليابان وتركيا ورومانيا، وهي كلها دول تدرس العلوم الطبية بلغاتها الوطنية؟!
تجددت إثارة مثل هذا السؤال، وغيره من التساؤلات حول معوقات إتمام التجربة (تطبيقيا) في الوطن العربي، وذلك في مؤتمر انعقد مؤخرا حول "تعريب العلوم الطبية" في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، حيث ألقي الضوء على تلك الفجوة بين التنظير -في التوصيات دائما- والتطبيق، فنجد مثلا قرارات مجلس أمناء "مركز تعريب العلوم الصحية" بالكويت تدور حول حتمية إصدار مناهج عربية متكاملة بكليات الطب العربية باعتبار ذلك ضرورة اجتماعية، مع عدم إغفال اللغة الإنجليزية في التدريس بالكليات، في حين أن التطبيق ليس على مستوى القاعدة العريضة من الكليات، بالرغم من انتهاء "مركز تعريب العلوم الصحية" من إصدار مناهج معربة في التخصصات المختلفة، كما أعلن في المؤتمر الأخير.
وإذا سلمنا بوجود فجوة بين التنظير والتطبيق في قضية التعريب -كما يوضح لنا خبراء التعليم في هذا الاستطلاع- فإن ذلك يعني وجود عقبات تمنع المضي قدما في توسعة نطاق التدريس باللغة العربية في سائر الكليات، وهنا تثار تساؤلات حول طبيعة تلك العقبات، وهل تتصل فقط بجوانب إجرائية تمنع تحول المثال إلى واقع، أم أن هناك قناعات أخرى لدى بعض الأساتذة والطلاب مضادة أو مناوئة للإيمان بضرورة تعريب العلوم الطبية؟.
الأساتذة.. تراجع ملغز
يشير الدكتور أحمد مستجير خبير العلوم التكنولوجية المتقدمة الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إلى أن تعريب العلوم الطبية أمر طبيعي وبديهي، لأن كل أمة يجب أن تدرس بلغتها كما هو الحال في كثير من الدول الآسيوية والأوربية وكذلك في إسرائيل، قائلا: "هناك فجوة بين توصيات وقرارات المؤتمرات، وما صارت عليه الحال في معظم الكليات العربية التي يتم فيها التدريس بلغات أجنبية، فثمة تراجع ملغز، حيث كنا في الماضي غير البعيد ندرس الفسيولوجي وعلم الوراثة ومعظم العلوم باللغة العربية في كليات الزراعة والطب والصيدلة وغيرها.
وقد نشأ تدريس علم الوراثة باللغة العربية بكافة مصطلحاته على سبيل المثال في كلية الزراعة بجامعة القاهرة في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم تمثل اللغة أي عائق، وعندما سافرنا وقتها في بعثات إلى أوربا وأمريكا لم نصب بدهشة؛ لأن الدراسة بالعربية كان يوازيها استيعاب واف وتتبع دقيق للمصطلحات الإنجليزية، وهذا ما نطالب به الآن.
ويوضح د.مستجير أن الأساتذة هم الذين يوجدون لأنفسهم استثناءات للتدريس بالإنجليزية، فهم أكبر عائق يقف أمام مسيرة التعريب، وأضخم عقبة أمام قبول الطلاب للدراسة بالعربية، حيث يميلون إلى النقل والاستسهال عوضا عن أن يكون لهم دور ضخم في الترجمة والتعريب ونحت المصطلحات بالعربية، وملاحقة كل ما هو جديد، والتعاون الخلاق مع بعضهم البعض، ومع المجامع اللغوية، ودور النشر التي تصدر المعاجم العلمية العربية.
يؤكد على هذا الخبير التعليمي المصري الدكتور حامد عمار بقوله: إن معوقات تعريب العلوم الطبية لا تتعلق بطبيعة اللغة العربية؛ لأن الكوريين واليابانيين نجحوا في التدريس بلغات شعوبهم بيسر. ويقول: يمكن حصر المعوقات في الأساتذة العرب الذين يميلون إلى النسخ ويبغضون مشقة الترجمة والتعريب، خاصة في سوق العمل التي أصبحت مرتبطة في عصر العولمة بالدارسين بلغات أجنبية، وفي الإطار العام الذي بات يروج للإنجليزية باعتبارها لغة العلم التي لا يمكن التخلي عنها، وللأسف فإن بعض الباحثين والأساتذة الجامعيين يروجون لهذه المفاهيم.
اللغة الأجنبية.. تميز وهمي
ويرى د.عمار أن دارسي العلوم الطبية، وغيرها، باللغات الأجنبية يشعرون بتميز وهمي عن الدارسين بالعربية، ولذا فإن التدريس بالعربية يتقلص رغم ازدياد المؤتمرات والقرارات التي توصي به. ويضيف في حديث لشبكة إسلام أون لاين.نت: اللغة العربية كأداة لتدريس العلوم الطبية والفيزيقية والجيولوجية وغيرها صارت في تراجع، سواء في الجامعات الخاصة أو الحكومية، والمدهش هو وجود قسمين في بعض الكليات، أحدهما للتدريس بالعربية، والآخر باللغة الأجنبية باعتباره أكثر تميزا!.
ومن مخاطر تدريس العلوم بغير العربية -كما يقول د.عمار- أن التعليم بلغة أجنبية معناه أن يتوجه الدارس بفكره إلى السياقات الأجنبية وأنماط التفكير التي تحتضنها اللغة الأجنبية، مما يبعد الطالب عن اشتباكه مع واقعه ومجتمعه، الأمر الذي يغتال روح المواطنة لدى الطالب العربي. وهذه المسألة بالغة الخطورة في شتى العلوم، وفي حالة العلوم الطبية مثلا فإنها تؤدي إلى انعزال الطبيب عن مجتمعه وفقدانه للتواصل مع مرضاه.
الطلاب يرفضون
وعلى الرغم من كل هذه الأطروحات والنظريات الداعية إلى ضرورة اعتماد المناهج العربية في كليات الطب والكليات العلمية، فإن أغلبية الطلاب الذين يدرسون بالفعل باللغة الإنجليزية في كلياتهم، لم يبدوا حماسا للدراسة باللغة العربية، بل إنهم وصفوا الدارسين للعلوم الطبية باللغة العربية في دولة مثل سوريا مثلا بأنهم "خريجون حكموا على أنفسهم بعدم التطور في المستقبل".
وقد تركزت وجهات نظر كل من حسام المصري (كلية الطب- جامعة المنوفية)، وهاني مصطفى (كلية الصيدلة- جامعة طنطا)، وعماد علي (كلية العلاج الطبيعي- جامعة القاهرة)، وأحمد عبد الواحد (كلية الصيدلة- جامعة القاهرة) في أن المعاجم العلمية والشروح العربية لا يمكن أن تلاحق الكشوف والمستجدات اليومية في حقول العلم في أوربا والعالم الغربي، وأن بعض الاختصارات والمسميات والتوصيفات بالإنجليزية من الصعب معادلتها بالعربية.
قضية المصطلح
وحول قضية المصطلح باعتبارها أبرز مشكلات الترجمة العلمية، يوضح الباحث والمترجم السوري أحمد ميمون الشاذلي في ورقة له تبنتها "الجمعية الدولية للمترجمين العرب" أن المعضلة الأشد بروزا تأتي بسبب الدقة التي ترتكز عليها العلوم عامة، وليست العلوم الطبيعية فقط، ولذا يجب على المترجم ألا يموّه المفهوم أثناء نقله من لغة إلى أخرى.
كما أن مجامع اللغة العربية، وعلى رأسها مجمع الخالدين بالقاهرة، قد لعبت دورا مهما خلال السنوات الأخيرة في مجال إصدار المعاجم العلمية بهدف إقرار ونشر المصطلحات العلمية العربية، وقد أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة العديد من المعاجم العلمية المتخصصة، في الجيولوجيا والفيزيقا الحديثة والحاسبات والمصطلحات الطبية والكيمياء والصيدلة وغيرها، وفي كتاب "العربية في بلدان غير عربية"، يرى الباحث الدكتور أحمد مصطفى أبو الخير الخبير السابق بوزارة الخارجية المصرية، أن المعاجم المتخصصة الحديثة في شتى علوم العصر قد باتت موجودة باللغة العربية، ويقول: "الطموح لا يقف عند حد، وإننا نطمح أن تزيد هذه المعاجم كما، وأن تثرى وتنضج كيفا. وإننا -نحن العرب- لسنا ملزمين، ولا غيرنا، بالمسمى الأجنبي".
الجامعة العربية.. أملنا
ويقول الدكتور سامي نجيب رئيس جمعية لسان العرب، حول لجوء المجامع اللغوية والجمعيات والمراكز المهتمة باللغة العربية وقضايا الترجمة والتعريب، إلى مظلة جامعة الدول العربية دائما في مؤتمراتها وأنشطتها: "تقام مؤتمرات عربية كثيرة لمناقشة قضايا اللغة، وعلى رأسها قضية تعريب العلوم، وهذه المؤتمرات تصدر توصيات مهمة، لكنها تظل في النهاية مجرد أقوال، ويأتي الاحتماء بالجامعة العربية أملا في تحويل التوصيات إلى قرارات ملزمة، وبالتالي ننتقل من حيز التنظير إلى نطاق التطبيق.
وهكذا نكون قد ناقشنا فى منتدانا الكبير مانس ميد آراء القائلين بتعريب الطب راجين الله أن يستفيد كل من يقرأ هذان الموضوعات ولو بخلفية عن هذا الموضوع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Shall
Shall
أفادك الله كما تفيدنا
ردحذفدعوة للتواصل
رمضان كريم :)
ردحذففين الموضوعات الجديدة .. ؟؟
ردحذفلقد انطلقت المرحلة الأولى من المشروع
ردحذفمشروع تعريب التعليم والعلوم والمعارف
تعمل الجمعية المصرية لتعريب العلوم على تعريب العلوم والتعليم منذ عقدين من الزمن وهو أمر لم نكن نتوقع أن تستغرقه القضية. ولهذا فنحن بصدد إنشاء آلية على موقع الجمعية لوضع العديد من الكتب والمواد العلمية والتعليمية باللغة العربية فى التخصصات العلمية، بالإضافة إلى تعريب بعض المواد العلمية والتعليمية الأخرى (غالباً من اللغة الإنجليزية)، وذلك بالإضافة إلى جزء يهتم بالكتابة بالعربية الصحيحة.
ويهدف المشروع إلى دفع قضية التعريب للأمام باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية وللهوية من خلال مراحل المشروع المتعددة. ونتمنى أن يُحدث هذا المشروع طفرة فى قضية تعريب التعليم والعلوم وهو ما سيستتبعه طفرة مؤكدة فى تنمية مجتمعاتنا.
لقد انطلق المشروع من إيمان الجمعية المصرية لتعريب العلوم أن التعليم والعلم هما السبيل الأهم لتنمية مجتمعاتنا العربية وبدراسة مسارات تعريب الأمة وتنميتها خلال العقود السابقة توصلنا إلى أن التعليم الجامعى والتعليم بعد الجامعى هما قاطرة جميع مشاريع التنمية فى مجتمعنا العربى، ولهذا يركز مشروعنا؛ فى البداية؛ على هذه الشريحة التى يمكن أن تقود المجتمع إن هى استوعبت العلم وأنتجت منه معرفة تدفع أمتنا إلى الأمام.
نأمل تعاون الجميع معنا بإمدادنا بنسخة إلكترونية من الكتب والمواد العلمية التى ترغبون فى إتاحتها للمتعلمين والعلماء العرب. كما يسعدنا أن نتلقى أى دعم تقنى فى تصميم الموقع بصورة تليق بالهدف منه وهو تعريب التعليم والعلوم والمعارف. ونأمل كذلك فى مساعدتنا فى الترويج للموقع وللمحتوى. علماً بأن مخرجات المشروع ستكون متاحة لجميع الأفراد بصورة مجانية بالكامل.
ننتظر نصائحكم فى هذا الشأن؛ كما نتوقع المعاونة فى تحقيق هدفنا التنموى والتى ستكون بالتأكيد موضع ترحيب.
سنسعد بتواصلكم معنا على موقعنا على الفيسبوك: الجمعية المصرية لتعريب العلوم
وسنسعد بتواصلكم معنا على موقعنا التالى
www.taareeb.info
وعلى موقعنا التالى
http://taareeb.wordpress.com/
كما سنسعد بتغريداتكم عبر صفحتنا على تويتر: taareeb
وهذه هى البداية
كتب طبية جامعية: أطلس التشريح العصبى
كتب هندسية جامعية: أسس الالكترونيات
كتب علوم بحتة جامعية: المعادلات التفاضلية العادية: حلول وتطبيقات
هل يمكن أن يصلنا رابط لكتاب واحد فقط (أو يرسل لنا ملف الكتاب) من الكتب الجامعية العربية (مترجمة أو مؤلفة بالعربية) التى تُدرس فى كليات الطب أو كليات الهندسة أو العلوم أو الصيدلة
هذا الأمر الذى أتمنى ألا يكون شاقاً سوف يقطع شوطاً كبيراً فى طريق تعريب التعليم. هل من مشمر عن ساعده؟
دائماً ما نتحدث عن فوائد العمل، ولكننا غالباً ما نكتفى بالحديث عن العمل. بهذه الخطوة نخطو خطوة فى طريق العمل فهل من مشارك؟