فى الحفاظ على الكرامة

فى الحفاظ على الكرامة

كنت جالسا فى أحد اليالى أحتسى قدحا من الشاى الساخن وضوء الأباجورة الأصفر يداعب سطور الكتاب وصوت المطر فى الخارج يطربنى فأرجعت ظهرى للوراء ..............وفجأة وجدت نفسى فى الصحراء حيث لا زرع فيها ولا ماء فقمت مسرعا لا أعرف لى سبيلا وكدت أفقد الأمل ولكن لاح لى من الأفق بعض القوم فلما شاهدوا ما أنا عليه من قلة الحيلة أخذونى معهم وقلنا جميعا فى أحد الخيام، وفى المساء قال لى أحدهم من أين أنت يا أخا العرب ؟ فقلت من بلاد بعيدة، فقال له أحدهم اصمت يا شنفرى لا ترهق الضيف بكثرة الحديث ففيه ما فيه من الضعف فقلت الشنفرى ! شاعر الامية  فقال أى لاميه ؟ فعرفت أنه لم يسمها وعرفت أننى فى العصر الجاهلى وهؤلاء الشعراء هم من سموا فى كتب الأدب بالصعاليك وهم " تأبط شرا ، وسليك ابن السلكة والمسيب ابن علس وعمرو ابن براق "

 
 والشنفرى هو ابن الأوس الأذدى ويقال أنه سمى بالشنفرى  لضخامة شفتيه ويقال أيضا أن الشنفرى هو الأسد أو الرجل النشيط والأخير أنسب لطبيعته .


قلت للشنفرى حدثنى عن قصيدتك فى قومك :
فأنشد قائلا :
أقيموا بني أمي صدود مطيّكم         فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حمّت الحاجاتُ والليل مقمرٌ         وشدت الطيات مطايا وأرحل
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى         وفيها لمن خاف القلى متعزَّل
 ثم ذهب مليا ثم عاد فأكمل حتى وصل إلى :
وَلوْلا اجْتِنابُ الذَّامِ لم يُبْقَ مَشْرَبٌ         يُعاشُ به إلاَّ لَدَىِّ ومَأْكَلُ
ولكنَّ نَفْساً حُرَّةً لا تُقِيمُ بِي         على الضَّيْمِ إِلاَّ رَيْثَما أَتَحَوَّلُ
أُدِيمُ مِطالَ الجُوعِ حتَّى أُمِيتَهُ         وأَضْرِبُ عنه الذِّكْرُ صَفْحاً فأَذْهَلُ
وأَسْتَفُّ تُرْبَ الأَرْضِ كيْ لا يَرَى لهُ         عَليَّ مِن الطَّوْلِ امْرؤٌ مُتَطَوِّلُ

فجلست أتأمل فى بديع كلامه أنه أخذ أثيرا فى احدى معارك قبيلته مع" بنى شبابه " وقتل أبوه فى المعركة وتركه قومه فى الأثر ولم ينجدوه ولم يأخذوا بثأر أبيه فتمرد هو علي تقاليد القبيلة وخرج إلى الصحراء يفتك بمن يمسك من أعدائه وانضم إلى الشعراء الصعاليك  وفي الأبيات ثورة على الظلم والنفور منه مع حرص على مصلحة القبيلة  إلى جانب الإعتزاز بالنفس والحفاظ على الكرامة                                                                                                     
يقول الشنفرى انتبهو يا قومى وقوموا من رقادكم وغفلتكم فإن حالتكم لا تعجبنى ولذلك قررت الرحيل عنكم إلى قوم تلتقى أهدافى مع أهدافهم ، والوقت ملائم الليل مقمر والدواب مهيأة
والله وهبنى نفسا حرة تأبى الذل فلو شعرت بأى مساس بكرامتى لارتحلت فورا وخير لى ان أربط الحجر على بطنى وآكل تراب الأرض من أن أعيش على فتات الأقوياء الذين يمنون بفضلهم . 

ونبهنى من غفلتى صوت استعدادهم للخروج إلى بجيلة للإغارة عليها ، وهنا تذكرت ماذكر أبو عمرو الشيباني أنه خرج الشنفرى وتأبط شرا وعمرو بن براق. فأغاروا على بجيلة فوجدوا لهم رصدا على الماء. فلما مالوا له في جوف الليل قال لهم تأبط شرا: إن الماء رصدا وإني لأسمع وجيب قلوب القوم. فقالا: ما سمع شيئاً وما هو إلا قلبك يجيب. فوضع أيديهما على قلبه وقال: والله ما يجيب وما كان وجابا. قالوا: فلا بد لنا من ورد الماء. فخرج الشنفرى فلما رآه الرصد عرفوه فتركوه حتى شرب الماء ورجع إلى أصحابه. فقال: والله ما بالماء أحد. ولقد شربت من الحوض. فقال تأبط شراً: بلى ولكن القوم لا يريدونك إنما يريدونني. ثم ذهب ابن براق فشرب ورجع ولم يتعرضوا له. فقال تأبط شراً للشنفرى: إذا أنا كرعت من الحوض فإن القوم سيشدون علي فيأسرونني. فأذهب كأنك تهرب ثم كن في أصل ذلك القرن فإذا سمعتني أقول: خذوا خذوا فتعال فأطلقني. وقال لابن براق: إني سآمرك لستاسر للقوم ولا تنأ عنهم ولا تمكنهم من نفسك. ثم مر تأبط شراً حتى ورد الماء فحين كرع من الحوض شدوا عليه فأخذوه وكتفوه بوتر. وطار الشنفرى وأتى حيث أمره وأنحاز ابن البراق حيث يرونه. فقال تأبط شراً: يا معشر بجيلة هل لكم في خير أن تياسرونا في الفداء ويستأسر لكم ابن براق. قالوا: نعم.
فقال: ويلك يا ابن براق أما الشنفرى فقد طار وهو يصطلي بنار بني فلان. وقد علمت ما بيننا وبين أهلك فهل لك أن تستأسر ويياسرونا في الفداء. قال: لا والله حتى أروز نفسي شوطا أو شوطين.
فجعل يستن نحو الجبل ويرجع حتى إذا رأوا أنه أعيا طمعوا فيه فاتبعوه. ونادى تأبط شراً: خذوا خذوا. فخالف الشنفرى إلى تأبط شراً: يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو ابن براق. أما والله لأعدون لكم عدواً ينسيكم عدوه. ثم أحضر ثلاثتهم فنجوا. ففي ذلك يقول تأبط شراً:
ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم         بالعيكتين لدى معدي بن براق
كأنما حثحثوا حصا قوادمه         أو أم خشف بذي شث وطباق
لا شيء أسرع مني غير ذي عذر         أو ذي جناح بجنب الريد خفاق
فكل هؤلاء الثلاثة كانوا عدائين ولم يسر المثل –أعدى من الشنفرى- إلا بالشنفرى  

وهنا تنبهت من غفوتى وأمسكت القلم لألخص ما يلى :


يقول الشنفرى
-
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ *** وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ
-
هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ *** لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ
والشنفرى ببراعه  يستبدل أهله بوحوش الصحراء من الذئاب والضباع- " السِّيد: الذئب. العملَّس: القويّ السَّريع. الأرقط: الذي فيه سواد وبياض. زُهلول: خفيف. العرفاء: الضبع الطويلة العُرف. جَيْئَل: من أسماء الضبع" – ويعقد مقارنة بينهم وبين قومه ويأتى فى جانب الوحوش حيث لا يخذلونه ولا يفشون أسراره مثل قومه

أرجو أن يستفيد الجميل ويقرأ لامية العرب كامله وقراءة شرح مبسط لكلماتها ففيها كثير من صفات العربى المعتز بنفسه وسجل لألوان الحياة فى صحراء العرب والصبر على قسوة الحياة فى سبيل الحرية والكرامة.



تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

أتشرف برأيك

المشاركات الشائعة