الأسلوب والمواقف

15922947-old-books-isolated-on-white
فى البداية أوضح أن هذا الموضوع إنما هو خواطرى حول المواقف والحبكة من ناحية والأسلوب من ناحية أخرى وليس موضوعا أدبيا فليس كل من قال كلاما صار أديبا ، إن تدوين الكاتب لأحداث حدثت له أو لغيره أمر جدير بالملاحظة والدراسة .فما أن يبدأ المرء بالتذكر ويبدأ عقله بالتقاط المعانى وتشابك الأفكار بصورة تجعله يحاول أن يخفى الحدث حتى يميته ولا يستطيع، فيحوم حوله كالراعى يحوم حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وما يظن أنه وقع فيه، ولو كلف نفسه بالنظر تحت قدميه لرأى قدماه وقد اتسخت بالوحل فهو واقع فى الحمى منذ البدأ ولكنه لم يدرك ذلك ؛فتشابك الأفكار حجبت عنه الرؤية حينا ولكن الأفكار لن تلبث أن تجعله يصعد فوق شجرتها ، عندئذ تتجلى الرؤية واضحة بصورة تجعله يدرك المدى الذى أوقع نفسه فيه ، فيعود أدراجه متهما نفسه بالغموض والالتفاف حول المعنى .


دعونى أبسط الأمر قليلا، لدينا كاتب –أى كاتب- يدون مشاهد رآها ، او أناس يكتب عنهم، ومواقف يريد سردها ،كاتب يلتقط فكرة ومعنى يتحول إلى أسلوب.الكاتب يقف فى مكان ما من الحدث – سواء فى قلب الحدث أو خارجه – ولكن فى النهاية هو مشاهد وراوى ،الآخرون من يصنعون الحدث، المعنى موجود وملقى على الطريق،الأسلوب والموقف يرتبطان ارتباطا وثيقا .؛ فالأسلوب يخفى الموقف أو يظهره، الأسلوب يجعلك داخل الحدث أو خارجه ويبقى فى النهاية الموقف وحده،إن أكبر عبأ على الكاتب هو تغير المواقف وتباينها هذه هى الحبكة وهى التى يرفع بها الأشخاص أو يسقطهم ،والأشخاص ما هم إلا أداة تحرك المواقف.

  
لنغوص أكثر وصلنا إلى أن هناك ألفاظ ولغة وتصوير يمثلها الأسلوب، وهناك حبكة ومعلومات يمثلها الأشخاص والمواقف.


فأما الأسلوب فهو الفارق فى النص الأدبى ، وقد يتهم الأسلوب بالغموض لمفردات لا يعرف معانيها، أو قصة لم يحط بها علما، أو صورة بيانية لا يصل القارئ إليها ، وكل هذا ليس عيبا فى النص الأدبى وإنما هو نقص فى القارئ أنه لم يحط علما بالمفردات أو البيان أو القصة فى النص .
وأضرب مثال لو أخبرتك بقول ليلى لقيس بن الملوح "كلانا مظهر للناس بغضا .....وكل عند صاحبه مكين " قد يأتى البعض ويتهم البيت بالغموض ولكن إن أخبرتك بقصته فسيزول الغموض طبعا .أما الغموض الذى لا يدرك معناه بعلم أو فهم من جميعا فهذا هو الغموض المقصود، وفى الأصل الغموض ليس معيارا على جودة النص، فهناك نصوص غامضة جيدة ونصوص غامضة رديئة.

وأما المواقف والحبكة فهى تعطى للقارئ الأفكار التى سيخرج بها من قراءته ، وإن كان لا يعنى للقارئ كثيرا الأشخاص التى تحرك الموقف ، فإنها تعنى للكاتب كثيرا ؛فهو يبنى عليها كثيرا من آرائه فى النص وآرائه بشكل عام فى الحياة .الأشخاص يمثلون المشاعر لدى الكاتب ، الفرح ، الحزن، السعادة ،الألم، الوحدة هذه المشاعر تجعلنا نفهم الناس ، ولكن فى النهاية يخرج القارئ بالمواقف وحدها.

أخرج من ذلك كله بأن النص موزون بالأسلوب والحبكة وفى بعض النصوص قد يغيب الأسلوب كالروايات المترجمة مثلا لأن المترجم ليس أديبا وفى هذه ستخرج بحبكة ومواقف ومعلومات ولكن لن تستفيد منه كنص بل قد يفسد عليك أسلوبك.هذا ما أردت أن أقوله عن الأسلوب ، والمواقف غلفته بمعانى كثيرة من معانى النفس عن أمور شتى ، تحتاج لأن تقرأ الكلام وما فوق الكلام ، فأحيانا تسقط الأقنعة عن النص إذا ما أدرك ما وراء معانيه والحكم على الشئ فرع عن تصوره .

تعليقات

المشاركات الشائعة